الادمان و مضاره


بحث الإنسان منذ أقدم العصور عن المتعة والاستثارة والارتياح وكذلك عن التخلص من الألم، وفي بحثه هذا وجد بعض المشروبات والنباتات والعقاقير تنقله إلى نوع من البهجة والاسترخاء وتقلل معالم التوتر في جهازه العصبي لفترة محددة من الوقت . وكانت هذه اللذة الآنية، وعدم التحسّس بالألم العابر منزلقاً للبعض دفعهم باتجاه الانغماس، أو الاستمرار على تناول المخدرات، حتى وجدوا أنفسهم وبعد الانتقال من حالة التعود إلى حتمية الإدمان أنهم بمواجهة حالة جديدة أو ظروف جديدة قوامها:

أ. إن معاناة من نوع آخر مؤداها التوتر والقلق قد غلفت حالهم وباتوا على أساسها – تدريجيا – أسرى للمادة التي يتناولونها.

ب. إن آلامهم الناتجة من الابتعاد عن تناول المخدرات التي أدمنوا على تناولها أشد أثراً في نفوسهم من آلام كانوا يعتقدون في بداية طريقهم إلى الإدمان أنهم غير قادرين على تحملها.


إن مسألة تناول المخدرات ومن ثم الاعتياد عليها فالإدمان على تناولها حالة شائكة تتوزع أسبابها أو دوافعها على:

أ. الفرد المدمن نفسه حيث العمر والحالة الفسلجية والنفسية والخصائص الشخصية ونوع الجنس.

ب. الأسرة وأساليب تنشئتها وتشكيلها لسلوك أبنائها في السنوات الأولى لاكتسابهم خصائص شخصياتهم التي يمكن أن تكون سببا للإدمان أو عدمه.

ج. المجتمع حيث القيم السائدة والمعايير المعتمدة وضوابط الإدارة القائمة. التي يمكن أن تفسح المجال لتفشي ظاهرة الادمان من خلال تساهلها مع تناول المخدرات، أو على العكس من ذلك وأن تحول دونه من خلال وضع ضوابط تحد من أنتشارها.


يتناول أناس بخصائص نفسية محددة أنواعا من المخدرات ولمرات معدودة على سبيل التجربة وحب الاستطلاع، ويكررها آخرون لمرات ومرات على وفق مجالستهم لزملاء ومعارف يتناولونها في لقاءاتهم الخاصة، بينما يستمر البعض في تناولها بصفة شبه مستمرة.

كما إن هناك من يصل إلى حالة الاعتماد الجسـمي على المخدر بعد تناوله تلك المادة لمرات قليلة بينما لا يصلها شخص آخر رغم تناوله المخدر لفترة أطول وعدد مرات أكثر بحيث لا تظهر عليه أية أعراض إنسحابية عند تركها ، وهذا تفاوت لم يجد له المختصـــون تفسيرا شاملاً حتى الوقت الراهن، رغم اعتقاد العديد منهم أنه أمر يتعلق بتعود الجهاز العصبي وتكيفه للمادة المخدرة وليس بسرعة التخلص منه. ومع ذلك فإن الإدمان كصفة لتناول المخدرات لا يمكن إطلاقه على أي من أولئك المتناولين إلا بعد أن يمر الواحد منهم في مرحلة الاعتماد النفسي والعضوي ، وهي المرحلة التي تتميز بالأعراض الاكلينيكية (السريرية) الآتية:

أ) عــدم استطاعة المعنـي التخلي عن تناول المادة المخدرة لساعات أو أيام. أي وجود دافع داخلي قهريCompulsion لتناوله.

ب) الميل المستمر إلى زيادة الجرعة من تلك المادة.

ج) ظهور بعض الآثار النفســية أو المضــاعفات عند التوقف عن تناول المادة المخدرة مثل:

أولا: القلق والتوتر.

ثانيـا: الاكتئاب.

ثالثـا: قلة التركيز.

رابعا: عدم الارتياح.

د) ظـهور بعض المضـاعفات العضوية (الجسمية) عند التوقف عن التناول مثل:

أولا: الصــداع.

ثانيـا: الارتجــاف في الأطراف العليا والسفلى والوجه واللسان.

ثالثـا: التعرق.

رابعا: الإغماء أحياناً.

هـ) تدهــور تدريـجي في السمات الشخصية ووظائفها يشمل على الأغلب:

أولاً: الأعمال العضوية.

ثانيـا: الجوانب الذهنية.

ثالثـا: السلوك.

رابعا: الصحة وأساليب التعامل.


إن مشكلة مثل الإدمان على المخدرات قد احتلت بسبب آثارها السلبية المتشعبة مكاناً ملموساً في اهتمامات الكثير من دول العالم ـ خاصة المتقدمة منها. وأخذ المعنيون بها بنظر الاعتبار طبيعة الحياة الاجتماعية المعاصرة ومشاكل الحضارة الحالية وصغر العالم في وقتنا الراهن حيث السرعة في التنقل ، والسهولة في الاتصال ، والتنوع في المعرفة المتاحة التي تضيف بمجملها تعقيدات لطبيعة الحياة وتزيد من نسب التهرب من ضغوطها بوسائل وأساليب مختلفة بينها الإدمان على المخدرات، الأمر الذي يضيف أعباء على المسؤولين في مجالات التعامل معها بالاتجاهات التي تسهم في التقليل من آثارها جهد الإمكان، هذا بشكل عام أما في مجتمعنا العربي والاسلامي فالأمر يكون أكثر تعقيدا وحاجةً لفهم هذا النوع من المشاكل وكذلك تصور السبل الكفيلة بالتعامل معها تعاملا صحيحا باتجاه التقليل من نسب انتشارها من جانب وتقليل الآثار الجانبية لحدوثها من جانب آخر، وفي هذا المجال يمكن اقتراح الآتي:

أ) أن تأخذ الجهات الصحية والاجتماعية المعنية بالتعامل مع الحالة بنظر الاعتبار أن التعامل الهادئ والمتدرج بالنسبة للمتناولين والتعامل السريع الحاسم مع تجارها هو الخطوة الأولى التي يمكن أن تؤدي إلى تضييق دائرة انتشارها.

ب) التأكيد على جانب الوقاية بتوعية المواطنين في العالمين العربي والاسلامي ضد أخطار تناولها بالاستفادة من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية.

ج) إدخال بعض مفردات الإدمان (مضاره) في مناهج المدارس الثانوية صعوداً لمستوى المعاهد والكليات لعموم الدول العربية والاسلامية.

د) إشغال وقت الشباب أي التقليل من أوقات فراغهم ، خاصة المراهقين منهم وذلك بالتوسع في تأسيس النوادي الرياضية وبناء مراكز الشباب وإعداد الفرق الرياضية الأولمبية وإنشاء المسابح الشعبية (العامة).

هـ) أن تأخذ المؤسسات الصحية في عموم الوطن العربي والاسلامي على عاتقها معالجة المدمنين في مراكز صحية واجتماعية خاصة بالدولة وبمساعدة جهات دولية إختصاصية.

و) يمكن إقامة صناديق خاصة لجمع التبرعات في كل دولة من الدول العربية والاسلامية لدعم جهود العلاج النفسي والعضوي للإدمان.

ز) تشجيع ودعم البحوث والدراسات التي تتناول موضوع الادمان ومسائل الوقاية منه وكذلك جوانب علاجه نفسيا ودوائيا.

ح) إقامة علاقات بحثية مع المراكز العالمية لعلاج الادمان، مع السعي لتبادل الخبرات والكفاءات والبحوث والمعلومات فيما يتعلق بموضوع الادمان.

ط) توظيف رأسمال أكبر في مجال الطلبة والشباب (للترفيه، والتأهيل، والعمل، والزواج وغيرها من مسائل تساعد على استقرارهم النفسي والاجتماعي).


الإدمان على المخدرات ظاهرة بات انتشارها دولياً رغم التفاوت في نسب الانتشار بين مجتمع منضبط قانونياً وقيمياً، ومجتمع آخر متساهل يرى ضرورة أن يتمتع الانسان بحريته الفردية إلى أبعد الحدود وبينها التناول العلني والمسموح للمخدرات، لذا نجد أن البعض من المجتمعات البشرية فيها من حالات الادمان أقل من المستويات التي يمكن عـّدها ظاهرة ، بينما نجد وفي المقابل مجتمعات أخرى تنتشر فيها أماكن البيع والتناول بأعداد لا تحصى، ونجد فيها بنفس الوقت من مراكز الاستشفاء وعيادات معالجة الإدمان أعدادا ليست قليلة.

إن التفاوت في نسب الانتشار بين مجتمع بشري وآخر ليس هو الوحيد على الساحة الدولية فهناك أيضا التباين في أساليب التعامل بدءاً من السماح بتناولها في العلن كما ورد في أعلاه مروراً بعـّد المتناولين مضطربين سلوكياً ويستوجب الأمر معالجتهم نفسياً ، وانتهاءاً بنعت المتناولين مجرمين ينبغي معاقبتهم . 

وهذا التفاوت والتباين لا يقلل من خطورة ظاهرة الإدمان، بل وعلى العكس من ذلك فإنه يزيد من احتمالات تأثيرها على المجتمعات ومنها العربية والاسلامية النامية، خاصة مع بدايات العولمة بتجلياتها الاجتماعية والثقافية التي تسعى لفتح الحدود والفضاءات للأفراد والمعلومات والقيم والمعايير بين جميع الشعوب والأمم لتنتقل دون قيود 

الأمر الذي يضيف على الساسة العرب والعلماء والمختصين ومراجع الدين في المجتمع العربي والاسلامي أعباء أخرى للتعامل مع هذه الظاهرة في إطار المكافحة للقضاء على فقاعاتها التي بدأت تنتشر بشكل ملموس،أو باتجاه الوقاية من احتمالات اتساعها ظاهرة تهدد الأمن والاستقرار حاضرا ومستقبلا.


Comments are disabled.