الدكتور جواد الديوان

أستاذ علم الأوبئة

كلية الطب جامعة بغداد

الحوار المتمدن-العدد: 6536 – 2020 / 4 / 13 – 13:26
المحور: ملف: وباء – فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات

جائحة COVID-19 سبب في موت عشرات الالاف، وخراب اقتصاد العالم، وحجر اكثر من نصف سكان العالم. وتصادف ظهور الجائحة مع نمو نظام مراقبة رقمي Digital Surveillance يحركه الذكاء الصناعي.
الصحة العامة في عملها تعتمد المراقبة. وبعد ان حجبت الصين اخبار انتشار الفيروس في ووهان عن العالم، استعانت بادوات المراقبة للسيطرة على الجائحة. وكانت مئات الالاف من اجهزة المراقبة في المحلات السكنية للسيطرة على حركة الاشخاص ودرجات حرارتهم والمراقبة الجماعية لاجهزة الموبايل والقطارات والطيران لتحديد الاشخاص الذين زاروا مناطق موبؤة او مصابة.
وفي شرق اسيا استخدمت الدول المراقبة الموسعة expansive surveillance لمواجهة فيروس كورونا. في كوريا الجنوبية استخدمت الدوائر التلفزيونية المغلقة، وكذلك حركة البطاقات الائتمانية لتتبع حركة الاشخاص. وفي تايوان تكاملت بيانات المستشفيات والعيادات والصيدليات لتحصل على معلومات سفر المرضى. ويدرس العالم الغربي اليات وادوات المراقبة في الصين لاحتواء جائحة كورونا، مع التساؤل عن امكانية استخدام بعض الاجراءات الديكتاتورية authoritarian في بلدانهم.
خلال العقد الماضي تمكنت الصين من بناء دولة مراقبة دكتاتورية رقمية digital authoritarian surveillance state وتنافس الولايات المتحدة في تحديد معايير للبنية التحتية للشبكات، وتصدر تقنية G5 اضافة الى تقنية التعرف للوجوه بنظام اورلي Orwellian system of facial recognition. وهذا التداخل بين علم الوبائيات والتكنولوجيا سيحدد تاريخ العالم في السنوات القادمة.
قدمت دول جنوب شرق اسيا دليلا بان نظام مراقبة قوي، جزء اساسي مهم من محاربة الجائحة. اما الديمقراطيات الغربية فعليها الاستجابة لحاجات المراقبة، ولتكن باسم المراقبة الديمقراطية democratic Surveillance لحماية شعوبها من هذه الجائحة اوغيرها. وربما تبحث الديمقراطيات الغربية عن اليات لتحقق المراقبة بدون التضحية بقيم الحريات.
تعزز مفهوم المراقبة بعد 11 سمبتمبر (تفجير برجي التجارة)، فتوسعت وعمل بها القطاعين العام والخاص.
ومن جائحة COVID-19 سيكون اعادة تشكيل اعادة تشكيل المراقبة الرقمية حيث حاجات الصحة العامة للمراقبة الدقيقة للمواطن. فاذا فشلت الديمقراطيات في تطوير مستقبل المراقبة العالمية، فان الديكتاتورية الرقمية منافس جاهز للعمل. وفي الحرب ضد الاوبئة (الفاشيات) تظهر الحاجة الى مراقبة الشعوب من اجل تفهم اليات انتشار المرض، وكذلك الحد من انتشاره.
في تاريخ الصحة العامة،اول من استخدم المراقبة Surveillance مؤسس علم الاوبئة الطبيب جون سنو John Snow في لندن. فقد وصلت الكوليرا الاسيوية الى المملكة المتحدة في 1831 وقتلت الالاف في اول موجة لها. وفي 1854 شهد حي سوهو تفشي مرعب للكوليرا، وخلال 3 أيام توفي 127 من شارع واحد. فمشط الطبيب جون سنو المنطقة، وراقب المرضى وملامسيهم، وقادته نشاطاته للماء، ومضخة الماء في المنطقة. في المجهر لاحظ اجسام غريبة! الا انه اقنع السلطات وقتها بضرورة غلق المضخة ورفع المقبض منها، فتناقصت حالات الكوليرا بسرعة كبيرة. لم تكن بكتريا الكوليرا معروفة وقتها الا ان رسم بياني يظهر توزيع الحالات حول المضخة كانت وسيلة الاقناع، وليس الاجسام الغريبة في الماء.
وبعدها عمدت الدول الفعالة على بناء معاهد لايجاد صمام امان في اليات الصحة العامة، وانقذت مئات الملايين من الارواح، وبرزت ادوات جديدة في كل جيل. والمراقبة والاشراف على الوضع الصحي محور التقدم الاجتماعي والاقتصادي خلال القرنيين الماضيين.
لم تستخدم كل الدول المراقبة في صالح المواطن (الصحة العامة). وخلال القرن الماضي استخدمت بعض الحكومات اليات مراقبة طفيلية تتدخل فيها بالامور الشخصية للمنافسين السياسيين وقمع المعارضة. وفي يقظة ما بعد 11 سبتمبر وسعت الحكومة الامريكية اجراءات المراقبة، واسست اليات لمتابعة المعلومات تهدف الى تحديد المشتبه بهم بالارهاب من خلال تحليل كميات كبيرة من المعلومات الرقمية.

Comments are disabled.